السؤال
أرجو أن تبينوا لي كيف أزرع الثقة في ابنتي ذات الخمس عشرة سنة؟ وما دوري ودور أمها في زرع هذه الثقة؟ ولكم خالص التحية والتقدير.
الجواب
$0بسم الله الرحمن الرحيم $0 $0الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.$0 $0 $0أما بعد: فأهلاً بك أيها السائل الكريم، وأشكرك على ثقتك في هذا الموقع المبارك، وأسأل الله تعالى أن تجد بغيتك، وأن تستفيد من مشورتي عليك. وعليك أن تتأمل ما سأذكره لك، وتعيد قراءته مرارًا، وتجعله في برنامج منظم، حتى يؤتي أكله يانعًا وتراه بيانًا في ابنتك وأسرتك . - كنت أتمنى أن توضح في سؤالك: هل أنت الآن تفقد الثقة في ابنتك فعلاً؟ وهل هناك مظاهر لفقد هذه الثقة؟ وهل شكت لك ابنتك فقدان هذه الثقة منكم؟ فهنا نتحدث عن مشكلة وقعت لا بد من التعامل معها أو علاجها . ولكن لأنك لم توضح ذلك، فلربما كنت تسأل عن زرع هذه الثقة ابتداءً في نفسها، والتمتع بها في حياتها وفي التعامل معها. ولزرع الثقة وسائل وأساليب، منها: - عدم إبراز عين المتابعة المطلوبة في التربية، بحيث تكون من طرق غير مباشرة، حتى لا تشعر بتخونك لها، وحتى لا تشعر أيضًا بأنها معدومة الثقة بين أفراد أسرتها، وإذا ما وقعت في خطأ علمته من الطريق غير المباشر، فيكون النصح أيضًا بطريق غير مباشر، ولي فيها أساليب منشورة في هذا الموقع بعنوان: (بدائل النصح غير المباشر) فتأملها - أن توليها بعض المهام التي تتناسب وعمرها، وتستغل الفرصة في تحفيزها وتشجيعها بالكلمة الطيبة والثناء الحسن أمامها وأمام جميع الأسرة، أو حتى أمام قريباتها لرفع معنوياتها، فالكلمة الطيبة يبقى صداها في نفسها وتحفزها نحو المزيد.$0 $0 $0 $0 $0- عليك ألا تثرب عليها كثيرًا عند الخطأ، ولا تقلل من شأنها حينما تقع في الزلل، فالذي يعمل هو الذي يخطئ، والذي يجتهد له أجر ولو أخطأ، والخطأ طريق الصواب، والذي يعاتب بشدة سيرفض أن يسند إليه عمل، لأنه لا يريد العتاب الشديد، ولأنه ربما فقد الثقة في نفسه، فهو يراها لا تستحق أن تتولى أمرًا مهما كان!!$0 $0 $0- صحيح أن علينا –كمربين- أن نلقي نظرة بين فترة وأخرى على حاجيات الأولاد، خشية أن يكون هناك أمر جلل تخبئه المصائب، فنحاول علاجه قبل أن يستشري أمره، ولكن هذا ينبغي ألا يكون أمام ناظريهم، فإن هذا الشأن لو أخذ شكل (التفتيش العسكري) سيحطّم الثقة في ذاتها، وتبقى صورة التفتيش هذه لوحة مشوهة لا تنسيها الأيام!!$0 $0 $0- عند حدوث أي مشكلة أو (استفهام) ينبغي أن تكون الأسئلة التي تطرحها عليها على شكل (حوار أبوي حنون) بحيث تستجلب منها الحديث بعفوية ودلال وحب، وتكون تعليقاتك سهلة من غير تعقيد ولا تشقيق، ويكون التوجيه فيها ميسرًا (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، ولتحاول أن تفرّق هذه الأسئلة ولا تسردها سردًا حتى لا تتخذ (شكل التحقيق) الذي فطر الإنسان على رفضه، والذي يشعره بأنه (مذنب) أو على الأقل: (متهم).$0 $0 $0- لا مانع أن تذكر بين فترة وأخرى عبارة: (أنا أثق فيك)، ولكن تصحبها أحيانًا بقولك: (ولكن من حبي لك أسأل عنك وأتابعك).$0 $0 $0- إذا طلبت أن تذهب إلى صديقاتها، فابدأ بالموافقة أولاً، ثم ثني بالاستفسار عنهن: من هؤلاء؟ ومتى ستعودين؟ ولا مانع أن تتعرف على أسرهن، فإن كانوا صالحين، فأظهر سرورك بهذا، وإذا كان الأمر يختلف أظهر تخوفك عليها، ثم أخبرها بعدم ارتياحك لهذه الزيارة، وبيّن لها السبب، ولا مانع أحيانًا أن تعوضها بالخروج للنزهة أو شراء بعض الحاجيات، مبينًا لها أثر الصديق غير الصالح على الخلق والدين، وأن الإنسان يتأثر به من حيث لا يشعر، وحينما تعود من هذه الزيارة لا مانع أن تسألها: ماذا صنعن في هذه الزيارة من دون تفصيل دقيق. - من أروع أساليب زرع الثقة هو مشورتها فيما يخصها من أمور، والاستجابة إلى رغباتها ما دامت لا تتصادم مع الشرع أو الأعراف العامة الصحيحة، ولا تؤثر على الأسرة اجتماعيًا أو أخلاقيًا أو ماديا، وأحسن منه أن نشركها معنا في استشارتها فيما يتعلق بالأسرة بشكل عام، مثل: وقت السفر، أو نوع الطعام أو زمنه، أو اختيار بعض حاجيات المنزل، أو ديكوراته، أو إشراكها في أخذ رأيها في حل مشكلة وقعت بين إخوانها، ونحو ذلك، فنبادرها بقولنا: ما رأيك؟ ثم ننصت لها ونستمع إليها، فإن أصابت نقول لها: أحسنت، ونعمل بمشورتها، وإذا لم توفق نذكر لها أثر ذلك على المشكلة، من دون احتقار لجوابها مهما كان .$0 $0- يجب أن تتفق أنت وزوجتك على زرع هذه الثقة بكل الأساليب السابقة، حتى تأتي النتائج متناسقة غير مضطربة.- الذي أريد أن أؤكده هنا أن سن (15) هو هرم عمر المراهقة الشديدة، ولذا يجب ألا تقلق كثيرًا من التغير المفاجئ في التصرفات والتعامل والتغيرات، المهم هنا أن نتعامل معهم بالحب، وأن نسمعهم الكلمة المحببة لنفوسهم، وأن نشاركهم بعض أعمالهم، وأن نكسبهم إلينا حتى لا يستولي عليهم غيرنا، حينما يجدون لديه ما يفقدونه منّا . - ولا يعني زرع الثقة أن نترك الحبل على الغارب، فإن هذا تفريط في المسؤولية وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت في وسائل الفساد المبطن، بل يجب أن نفتح أعيننا جيدًا، ونرفق بأسرنا، ونأخذ محل الوسط، ونتوازن في ذلك كله.$0 $0 $0أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا نحو الصلاح والهداية، وأن يقر أعيننا جميعًا بصلاح ذرياتنا، فإنه جواد كريم .$0 $0وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.